هدي النبي صلى الله عليه و سلم في التعامل مع أزواجه أمهات المؤمنين رضيَ الله عنهن .
إن هذه الكثرة العددية والتنوع الاجتماعي لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم يطرح سؤالا مهما ألا وهو : كيف يستطيع النبي صلى الله عليه و سلم أن يتعامل مع هذه التركيبة الاجتماعية المختلفة مؤديا حقوقهن بلا ظلم ولا هضم ، وكيف يستطيع أن يجمع بين معاشرتهن بالمعروف وبين أعباء الرسالة وهمومها .
لاشك أن السر في ذلك هو ما كنت سمعته على لسان أحد الدعاة المعاصرين ، وكان غريبا عندي لما سمعته لأول مرة ، إنه الإعجاز الخلقي عند النبي صلى الله عليه و سلم ) بحيث لم يشاهد بشرا قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم اجتمع عنده من مواصفات الكمال البشري ومن فضائل الأخلاق ما اجتمع عنده صلى الله عليه و سلم .
إن النبي صلى الله عليه و سلم في بيته رجل مثل جميع الرجال في كل ما جل وشرف من معاني الرجولة والفحولة ، عن عمرة عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : سألناها كيف كان رسول الله إذا خلا مع نسائه ؟ قالت : كان كرجل من رجالكم ، كان أحسن الناس خلقا ، وأكرمهم خلقا ، ضحاكا بساما )) [1].
وفيما يلي نحاول إن شاء الله تعالى عرض ما تيسر من هدي النبي صلى الله عليه و سلم في التعامل مع أزواجه أمهات المؤمنين رضيَ الله عنهن ، ونسرد من مظاهر كماله صلى الله عليه و سلم في هذا الباب ما يشهد على خيريته لأهله على جميع العالمين :
المظهر الأول : هداية النبي لأزواجه إلى الخير وتعليمهن أحكام الشرع .
أكبر معروف يسديه المرء إلى أهله هدايتهم وإرشادهم إلى الخير ، ولذلك أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده أن يبدءوا في دعوتهم بعشيرتهم الأقربين ، قال تعالى {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [2]أي : الذين هم أقرب الناس إليك ، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي )) [3].
وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [4]، قال قتادة : تأمرهم بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله ، وتأمرهم به وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها )) [5].
ولما بعث الله النبي صلى الله عليه و سلم إلى الخلق ليدعوهم إلى الإسلام ، كان أول من دعاهم النبي صلى الله عليه و سلم هو زوجه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضيَ الله عنها ، فآمنت به وصدقته ، فكانت أول من استمع إلى الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ، وكانت أول من تلا القرآن الكريم بعد أن سمعته من صوت الرسول العظيم صلى الله عليه و سلم ، وكانت كذلك أول من تعلم الصلاة من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فبيتها أول مكان تلي فيه أول وحي نزل به جبريل على قلب المصطفى الكريم بعد غار حراء )) [6].
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حريصا على هداية أزواجه إلى الخير وعلى تعليمهن أمور دينهن ، وأمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه و سلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين ، فقال : ما هذا الحبل ؟ )) قالوا : هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليقعد )) [7]، قال النووي رحمه : فيه الحث على الاقتصاد في العبادة ، والنهي عن التعمق ، والأمر بالإقبال عليها بنشاط ، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور ، وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه ، وفيه جواز التنفل في المسجد ، فإنها كانت تصلي النافلة فيه ، فلم ينكر عليها )) [8].
وعلم صلى الله عليه و سلم عائشة دعاء زيارة القبور ، وأمرها إذا أتت القبور أن تقول : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون )) [9].
وأرشد أم سلمة إلى الاحتجاب عن المكاتب ، فقال صلى الله عليه و سلم : إن كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه )) [10].
ونهاها عن إدخال المخنثين عليهن ، عن أم سلمة رضيَ الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندي مخنث ، فسمعه يقول لعبد الله بن أمية أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف ، إذا فعليك بابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، وقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا يدخلن هؤلاء عليكن )) [11].
ونهى حفصة رضيَ الله عنها عن تعيير صفية وسبها ، عن أنس رضي الله عنه قال : بلغ صفية أن حفصة قالت : بنت يهودي ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه و سلم وهي تبكي فقال : ما يبكيك ؟ )) فقالت : قالت لي حفصة : إني بنت يهودي ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إنك لابنة نبي ، وإن عمك لنبي ، وإنك لتحت نبي ، ففيم تفخر عليك ؟ )) ثم قال : اتقي الله يا حفصة )) [12].