عذرًا رسول الله ..
فكم عانيت واضطهدت وعذبت لتعلو كلمة الله ، لنصير اليوم مسلمين ، ونحن لم نعرف قدر هذه المنة العظيمة ، وهذا الكنز الثمين الذي أئتمنا عليه فضيعناه .
انظر له صلى الله عليه وسلم وهو في مكة: في بداية البعثة ، وهو يدخل الكعبة يصلي ، فيأتي عقبة بن أبي معيط ويخنقه خنقًا شديدًا ، ولا يستطيع النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخلص منه إلا على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
يضعون على ظهره القذر ، ويحثون في وجهه التراب ، ويقاطعونه فيظل في الشعب ثلاث سنوات حتى يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أوذيت في الله ، وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله ، وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال . [ رواه ابن ماجه وصححه الألباني ]
وفي الطائف يأمرون صبيانهم وعبيدهم برميه بالحجارة ، فيرمونه حتى سال الدم من قدميه .
يتعرض للقبائل . من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ يقول : ألا رجل يحملني إلى قومه فإنَّ قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ، فلا يجيبه أحد ، ويسير في الأرض مهمومًا فيأتيه جبريل وهو في أشد حالات الضنك فيقول : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وماردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال : يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أنْ أطبق عليهم الأخشبين .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا . [ متفق عليه]
ويطرد من أحب البقاع إلى قلبه ، ويطارد حتى يستقر به المقام بالمدينة ، فلا يهنأ عيشه ، فيحاربه المشركون ، ويأتي يوم أحد فيجرح وجهه – فداه أبي وأمي – وتشج رأسه ، وتكسر أسنانه ، وتدخل حلقتا المغفر في وجنتيه ، فتأتي فاطمة لتغسل الدم فلا يزيده الماء إلا كثرة ، فتأخذ قطعة حصير فتحرقها حتى يصير رمادا ، ثم تلصقها بالجرح ليستمسك الدم .
[ رواه مسلم ]
ويقتل أصحابه وأحب الناس إليه وتذرف عيناه بالبكاء ، وتضع المرأة اليهودية السم له في الشاة ، فيأكل منها ويبقى لهذا السم أثره عليه حتى في الحمى التي أتته قبل الوفاة .
كل هذا لأجلى ولأجلك ـ لتخرج اليوم مسلمًا تعبد الله ولا تشرك به ؛ لتكون صفوة الخلق ، ونكون خير أمة أخرجت للناس ، فكيف نرفع رؤوسنا أمامك الآن وقد أصبح المسلمون بلا شوكة ولا منعة ؟
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامي .