وبالنظر والتأمل في قصة الإفك كما ورد في القرآن والسنة نتوصل إلى جملة من الدروس والعبر والعظات والأحكام تعين المسلم على تجاوز كثير من مشكلات الحياة الاجتماعية ، وبالأخص ما يتعلق منها بالمشكلات الأسرية ،وفيما يلي نحاول قدر استطاعتنا أن نستنبط شيئا يسيرا من تلك الدروس والعبر والعظات والأحكام والله ولي التوفيق :
الدرس الأول : عظم بلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الأنبياء والمرسلين أعظم الناس بلاء ، وما يبتليهم به الله تعالى أضعاف ما يبتلي به غيرهم من الناس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) [1].
ولقد ابتلى الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بألوان من الابتلاءات وصنوف من المصائب ، ومن ذلك : اضطهاده في دينه هو ومن آمن به ، ومنعه من تبليغ رسالته ، وابتغاء قتله ، أو سجنه أو إخراجه من بلده وقومه ، قال تعالى : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [2].
ومنها معارضة الكفار من المشركين ومن أهل الكتاب لما جاء به من عند ربه ، من عقائد الإيمان وشرائع الإسلام ، بالتكذيب والتشويش واللغو قال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [3].
ومن أشدها وأثقلها على النبي صلى الله عليه وسلم نيل المنافقين من عرض أهله واتهام أحب أزواجه إليه بالفاحشة ، حتى تألم من ذلك وطلب من أصحابه من يكفوه أذى المنافقين ، وقال : ما بال أقوام يؤذونني في أهلي ، ويقولون عليهم غير الحق ، والله ما علمت منهم إلا خيرا ، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا ، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي )) [4].
ولقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأذية البالغة والقول الشنيع في أهله من المنافقين ، والتزم الأدب اللائق به صلى الله عليه وسلم ، فرغم طول المدة التي خاض فيها الناس في الإفك وانتشار القيل والقال حول عرض أهله لم يفعل صلى الله عليه وسلم أو يقل ما يلام به شرعا أو عقلا ، لأن الله تعالى أمره بالصبر والتحمل لما يلقاه في سبيل الله مقتديا بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام الذين أوذوا بمثل ما أوذي به صلى الله عليه وسلم أو أكثر قال تعالى {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } [5]، وقال سبحانه : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } [6]، وعن أبي وائل عن عبد الله tقال : لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة مثل ذلك ، وأعطى أناسا من أشراف العرب ، فآثرهم يومئذ في القسمة ، قال رجل : والله إن هذه القسمة ما عدل فيها ، وما أريد بها وجه الله ، فقلت : والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال : فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )) [7].