الطفيل بن عمرو بن طريف
مقدمة
هو الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي، قال البغوي: أحسبه سكن الشام..
حاله في الجاهلية:
كان سيدًا لقبيلة دوس في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين، لا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع ويؤمن الخائف وويجير المستجير، وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب وشاعر مرهف الحس رقيق الشعور، بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل الساحر.
قصة إسلامه:
عن محمد بن إسحاق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذله لهم النصيحة ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب، وكان طفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً فقالوا له أبا الطفيل، إنك قدمت بلادنا فهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، فرق جماعتنا، وإما قوله كالسحرة يفرق بين المرء وبين أبيه وبين الرجل وأخيه وبين الرجل وزوجته وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه، قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً من أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة قال فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله: قال: فسمعت كلاماً حسناً. قال فقلت في نفسي واثكل أمي إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي على الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته، فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي فوالله ما برحوا يخوفنني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسناً فاعرض علي أمرك فعرض علي الإسلام وتلا علي القرآن فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن ولا أمراً أعدل منه، وقال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق...
وكان إسلام الطفيل في مكة بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف بعد دعوة ثقيف إلى إسلامه ورفضهم الإيمان برسالته. وكان ذلك في السنة العاشرة من بعثه النبي صلى الله عليه وسلم. وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة قومه إلى الإسلام، فقال يا رسول الله اجعل لي آية تكون لي عوناً، فدعا له رسول الله صلى لله عليه وسلم فجعل الله في وجهه نوراً فقال: يا رسول الله إني أخاف أن يجعلوها مثله، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار النور في سوطه وكان يضئ في الليلة المظلمة ولذا يُسمى ذو النور...
وقد ذُكر أيضًا أن الطفيل لما قدم مكة ذكر له ناس من قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يختبر حاله فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الإخلاص والمعوذتين فأسلم في الحال وعاد إلى قومه...
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه الرفق في الدعوة:
روى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال قدم الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن دوساً قد عصت، فادع الله عليهم فقال: "اللهم اهد دوساً"...
وقال لي أخرج إلى قومك فادعهم وارفق بهم، فخرجت أدعوهم حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ومضت بدراً وأحد والخندق ثم قدمت بمن أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلنا المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ولحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع الناس وقلنا يا رسول الله اجعلنا في ميمنتك واجعل شعارنا مبروراً، ففعل.
من مواقفه:
روى مسلم بسنده عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومنعة قال حصن كان لدوس في الجاهلية فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ما لي أراك مغطيا يديك قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر
وذكر ابن إسحاق أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل الطُّفَيْل بن عمرو ليُحْرِق صَنَم عمرو بن حثمة الذي كان يقال له ذُو الْكَفِينِ, فأحرقه.
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً التي كانت في شهر شوال من السنة الثامنة الهجرية، وأراد المسير إلى الطائف، بعث الطفيل إلى ذي الكفين، صنم عمرو بن حممة، يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فقال الطفيل : يا رسول الله أوصني قال: "افش السلام، وابذل الطعام، واستحي من الله كما يستحي الرجل ذو الهيئة من أهله، إذا "أسأت فأحسن، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"
أثره في الأخرين "دعوته ـ تعليمه":
دعوة الطفيل لأبيه وزوجته وإسلامهما:
بعد أن أسلم رضي الله عنه وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو قومه ذهب إليهم يقول رضي الله عنه: فلما نزلتُ أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً. قال فقلت: إليك عني يا أبت فلست مني ولست منك، قال: ولِمَ يا بني، قال: قلت أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أبي ديني دينك، فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فاسلم، قال: ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلست منك ولست مني قالت: لِمَ بأبي أنت وأمي؟ قال: قلت: فرق بيني وبينك الإسلام، فأسلمت، ودعوت دوساً إلى الإسلام فأبطأوا عليّ.
وخرج الطفيل إلى قومه فلم يزل بأرض دوس يدعوهم إلى الله حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ومضى يوم بدر وأحد والخندق، والطفيل بأرض قومه يدعوهم إلى الإسلام حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوة خيبر، حتى نزل المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لهم مع المسلمين فقد قدم أبو هريرة والطفيل وأصحابهما الدوسيون فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يشركهم في الغنيمة ففعلوا وهكذا هدى الله من هدى إلى الإسلام من دوس على يد الطفيل، وعلى يد جندب بن عمرو بن حممة الدوسي، وكان جندب هذا يقول في الجاهلية "إن للخلق خالقاً وولكن لا أدري من هو" فلما سمع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسة وسبعون رجلاً من قومه فأسلم فأسلموا..
راوية الإسلام أبو هريرة يسلم علي يد الطفيل:
كان ممن أتى بهم الطفيل ضمن هؤلاء السبعين عائلة الذين أتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه
فكل ما جاء من الخير العظيم على يدِ أبي هريرة رضي الله عنه، يُكتب في ميزان حسنات الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه...
وتخيل كل الأحاديث التي نقلها أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعة آلاف حديث، وبعض الأقاويل أنها أكثر من عشرة آلاف حديث نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...
بعض كلماته:
قال الطفيل بن عمرو يخاطب قريشاً وكان قد هددوه لما أسلم:
ألا أبلغ لديك بني لؤي دليل هدى موضح كل رشد
أن اللـه جلله بهـاد وأعلى جـده على كل جد
أن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الكفين صنم عرو بن حممة فأحرقه بالنار وهو يقول:
يا ذا الكفين لست من عبادكا إني حشوت النار في فؤدكا ميلادنا أكبر من ميلادكا
وفاته:
عاد الطفيل مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف إلى المدينة المنورة فكان مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى قبض...
فلما ارتدت العرب خرج المسلمون المسلمون لقتالهم، فجاهد رضي الله عنه حتى فرغوا من طليحة الأسدي وأرض نجد كلها.
ثم بعثه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب، يقول رضي الله عنه: خرجت ومعي ابني مع المسلمين - عمرو بن الطفيل - حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا فقلت لأصحابي إني رأيت رؤيا عبروها قالوا : وما رأيت قلت : رأيت رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها وكان ابني يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه . قالوا : خيرا فقال : أما أنا والله فقد أولتها . أما حلق رأسي فقطعه وأما الطائر فروحي وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها فقد رجوت أن أقتل شهيدا وأما طلب ابني إياي فلا راه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بسفرنا هذا . فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا
قال ابن حجر في الفتح:
وَذَكَرَ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ اِبْن شِهَاب أَنَّ الطُّفَيْل بْن عَمْرو اُسْتُشْهِدَ بَأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر , وَكَذَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة , وَجَزَمَ اِبْن سَعْد بِأَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَة...