"عن أبي الأشعث الصنعاني أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ وَفِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: لَوْلاَ حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قُمْتُ، وَذَكَرَ الْفِتَنَ، فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ، فَقَالَ: هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى. فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ".
أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الفتن وأن وقتها اقترب، وأن عثمان رضي الله عنه ساعة هذه الفتنة يكون هو على الهدى.
"وتقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيته كاشفًا عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، فدخل وهو على تلك الحالة فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوَّى ثيابه. قالت عائشة: يا رسول الله، دخل أبو بكر، فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ".
ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل أحد وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ".
وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنته رقية، وهي تغسل رأس عثمان فقال: يَا بُنَيَّةُ، أَحْسِنِي إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَشْبَهُ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا".
ما نزل فيه من الآيات
رُوِي عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزُّمر: 9]. قال: هو عثمان بن عفان.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 76]. قال: هو عثمان.
وفي قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمر:10].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد جعفر بن عبد المطلب والذين خرجوا معه إلى الحبشة". وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى، والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان عثمان رضي الله عنه أول من هاجر إلى الحبشة بأهله من هذه الأمة.
وفي قوله تعالى عن أهل بيعة الرضوان: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:10]. فعن أنس قال: "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، فبايعه الناس فقال: إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ. فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ، فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لأَنْفُسِهِمْ".
أقوال الصحابة فيه
شوهت بعض كتب التاريخ مواقف الصحابة من فتنة مقتل عثمان، وذلك بسبب الروايات الرافضية التي ذكرها كثير من المؤرخين؛ فالمتتبع لأحداث الفتنة في تاريخ الإمام الطبري، وكتب التاريخ الأخرى من خلال روايات أبي مخنف، والواقدي، وغيرهما من الإخباريين يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون المؤامرة ويثيرون الفتنة، فقد كثرت الروايات الرافضية التي تتهم الصحابة بالتآمر على عثمان رضي الله عنه وأنهم هم الذين حركوا الفتنة وأثاروا الناس، وهذا كله كذب وزور، وقد حفظت لنا كتب المُحَدِّثين الروايات الصحيحة التي يظهر فيها الصحابة المؤازرين لعثمان والمنافحين عنه، المتبرئين من قتلته والمطالبين بدمه بعد مقتله، وبذلك يُسْتبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها.
السيدة عائشة رضي الله عنها
"عَنْ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْيَشْكُرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أُمِّي تُحَدِّثُ أَنَّ أُمَّهَا انْطَلَقَتْ إِلَى الْبَيْتِ حَاجَّةً، وَالْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ لَهُ بَابَانِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَيْتُ طَوَافِي دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَعْضَ بَنِيكِ بَعَثَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ، وَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي عُثْمَانَ، فَمَا تَقُولِينَ فِيهِ؟ قَالَتْ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَهُ -لاَ أَحْسِبُهَا إِلاَّ قَالَتْ ثَلاَثَ مِرَارٍ- لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُسْنِدٌ فَخِذَهُ إِلَى عُثْمَانَ، وَإِنِّي لأَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ زَوَّجَهُ ابْنَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى إِثْرِ الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: اكْتُبْ عُثْمَانُ. قَالَتْ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَبْدًا مِنْ نَبِيِّهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إِلاَّ عَبْدًا عَلَيْهِ كَرِيمًا".
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
"عن النزال بن سبرة الهلالي قال: قلنا لعلي: يا أمير المؤمنين، فحدثنا عن عثمان بن عفان. فقال: ذاك امرؤ يُدعى في الملأ الأعلى ذا النورين، كان خَتَن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه (أي: زوج ابنتيه)، ضمن له بيتًا في الجنة".
وروى الإمام أحمد بسنده عن محمد بن الحنفية قال: "بلغ عليًّا أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد، قال: فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال: وأنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجبل. قال مرتين أو ثلاثًا".
وروى الحاكم بإسناده عن قيس بن عباد قال: "سمعت عليًّا رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قُتِل عثمان، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع، وعثمان قتيل على الأرض، لم يدفن بعدُ، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس، فسألوني البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين. فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى".
وروى الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن حاطب قال: سمعت عليًّا يقول: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]. منهم عثمان.
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
قال في مدح عثمان وذم من ينتقصه: "رحم الله أبا عمرو، كان والله أكرم الحفدة، وأفضل البررة، هجادًا بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاضًا عند كل مكرمة، سباقًا إلى كل منحة، حبيبًا أبيًّا وفيًّا، صاحب جيش العسرة، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعقب الله على من يلعنه لعنة الملاعين إلى يوم الدين".
أنس بن مالك رضي الله عنه
قيل لأنس بن مالك: إن حب علي وعثمان لا يجتمعان في قلب. فقال أنس: كذبوا، لقد اجتمع حبهما في قلوبنا.
أبو هريرة رضي الله عنه
عن أبي مريم قال: "رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان وله ضفيرتان وهو ممسك بهما، وهو يقول: قتل والله عثمان على غير وجه الحق".
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه
أخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: عثمان بن عفان ذو النورين قُتل مظلومًا، أوتي كِفْلَيْن من الأجر.
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
عن سعد بن عبيدة قال: "جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله. قال: لعل ذاك يسوءك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: لعل ذاك يسوءك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد عليَّ جهدك".
وعن أبي حازم قال: "كنت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فذكر عثمان، فذكر فضله ومناقبه وقرابته، حتى تركه أنقى من الزجاجة، ثم ذكر علي بن أبي طالب، فذكر فضله وسابقته، وقرابته، حتى تركه أنقى من الزجاجة، ثم قال: من أراد أن يذكر هذين فليذكرهما هكذا، أو فليدع".
وهكذا نرى كم كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يحبون عثمان، ويقدرونه، ويعلمون له فضله وسبقه، وينفون عنه قول كل حاقد وفاسق.
كان عثمان رضي الله عنه من المجتهدين في العبادة، وقد رُوي من غير وجه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الأسود أيام الحج، وقد كان هذا من دأبه رضي الله عنه.
وكان رضي الله عنه يفتتح القرآن ليلة الجمعة ويختمه ليلة الخميس، وكان رضي الله عنه يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله.
يقول عبد الرحمن بن عثمان التيمي رحمه الله: قلت: لأغلبن الليلة على المقام، فسبقت إليه، فبينا أنا قائم أصلي إذ وضع رجل يده على ظهري، فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان رحمة الله عليه، وهو خليفة، فتنحيت عنه، فقام فما برح قائمًا، حتى فرغ من القرآن في ركعة لم يزد عليها. فلما انصرف، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة؟ قال: أجل هي وتري.
ويروي أبو عثمان النهدي رحمه الله أن غلام المغيرة بن شعبة تزوج، فأرسل إلى عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين، فلما جاء قال: أما إني صائم، غير أني أحببت أن أجيب الدعوة وأدعو بالبركة.
ويروي هانئ مولى عثمان فيقول: كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟! فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بِعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا رَأَيْتَ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ".
وقد يتساءل المرء عن سبب بكاء ذي النورين وهو من المبشرين بالجنة، قيل: إنما كان عثمان رضي الله عنه يبكي وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة، أما الاحتمال أنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر، بل ولا عدم عذاب النار مطلقًا، مع احتمال أن يكون التبشير مقيدًا بقيد معلوم أو مبهم، ويمكن أن ينسى البشارة حينئذ لشدة الفظاعة، ويمكن أن يكون خوفًا من ضغطة القبر.
وكان يقول رضي الله عنه: "إني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله. يعني المصحف".
وكان رضي الله عنه يقول: "حبب إليَّ من الدنيا ثلاث: إشباع الجوعان، وكسوة العريان، وتلاوة القرآن".
وكان يقول أيضًا: "أربعة ظاهرهن فضيلة وباطنهن فريضة: مخالطة الصالحين فضيلة، والاقتداء بهم فريضة، وتلاوة القرآن فضيلة والعمل به فريضة، وزيارة القبور فضيلة، والاستعداد للموت فريضة، وعيادة المريض فضيلة، واتخاذ الوصية منه فريضة".
وجاء في إحدى خطبه: "أيها الناس، اتقوا الله فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من وال نفسه وعمل لما بعد الموت، واكتسب من نور الله نورًا لقبره، ويخشى أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيرًا، وقد يكفيني الحكم جوامع الكلم والأصم ينادى من مكان بعيد، واعلموا أن من كان الله معه لم يخف شيئًا، ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده".
يقول الزهري رحمه الله: لو هلك عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض إلى يوم القيامة، لقد جاء على الناس زمان وما يحسنه غيرهما.
ويقول ابن جرير الطبري رحمه الله: كان من المفتين: عثمان بن عفان، غير أنه لم يكن له أصحاب يعرفون، والمبلغون عن عمر فتياه، ومذاهبه، وأحكامه في الدين بعده كانوا أكثر من المبلغين عن عثمان والمؤدين عنه.
وكان عثمان رضي الله عنه على علم بمعارف العرب في الجاهلية ومنها الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، وساح في الأرض، فرحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقوامًا غير العرب، فعرف من أطوارهم وأحوالهم ما ليس يعرفه كل عربي في بلاده، وجدد في رحلاته تجديد الخبرة والعمل معارف البادية عن الأنواء والرياح ومطالع النجوم ومقارنتها في منازل السماء وهي معارف القوافل والأدلاء من أبناء الصحراء العربية، وأبناء كل صحراء... وكان أقرب الصحابة إلى مجرى الحوادث بين المسلمين والمشركين، فكان من سفراء الإسلام في غير موقف من مواقف الخلاف أو الوفاق، تارة بين المسلمين وأعدائهم، وتارة بينهم وبين الأسرى منهم في أرض الأعداء.
وزودته معرفته بالأخبار والأنساب وسياحته في البلاد بزاد حسن، قال عبد الرحمن بن حاطب: ما رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم حديثا ولا أحسن من عثمان بن عفان، إلا أنه كان رجلاً يهاب الحديث.
ولم يكن حديثه لغوًا ولا ثرثرة، بل كان من تلك الأحاديث التي كان يتوق إليها النبي في بعض أوقاته فيتمناها، وتروي السيدة عائشة من ذلك أنها سمعت النبي ذات ليلة يقول: "لَوْ كَانَ مَعَنَا مَنْ يُحَدِّثُنَا؟ قالت: يا رسول الله، أفأبعث إلى أبي بكر؟ سكت. ثم قالت: أفأبعث إلى عمر؟ سكت. ثم دعا وصيفًا ين يديه فسارَّه فذهب، فإذا عثمان يستأذن، فأذن له، فدخل، فناجاه صلى الله عليه وسلم طويلاً"."