عدل النبي بين أزواجه صلى الله عليه وسلم .
العدل بين النساء في التعامل واجب شرعي ، وشرط في جواز تعددهن ، قال تعالى : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [1] ، قال العلامة الشنقيطي رحمه الله : فإن خاف الرجل أن يعدل بينهن وجب عليه الاقتصار على واحدة ، أو ملك يمينه ، لأن الله يقول : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [2]... )) [3].
والعدل كذلك ضرورة اجتماعية يسبب التفريط فيه إلى زعزعة استقرار البيوت ، وفساد قلوب الأزواج ، وزرع التباغض والتحاسد بين الأولاد ، وقد يؤدي إلى تنافر الأصهار وسائر الأقارب كما هو مشاهد في بيوت من يظلم أزواجه ويفضل بعضهن على بعض في التعامل .
ومن صور العدل بين النساء في التعامل من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي :
1- العدل بينهن في المبيت والنفقة .
العدل بين النساء في المبيت والنفقة ونحوهما هو العدل الممكن والمطلوب شرعا ، لأنه مما يملكه ابن آدم ويستطيعه ، أما المحبة والجماع ، وكذلك سائر الأمور اليسيرة التي ليست محلا للتنافس بين النساء ، ولا يظهر فيها التفاوت ، فلا يأمر فيها بالعدل والتسوية بينهن ، والتكليف بها تكليف بما لا يطاق .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في العدل بين نسائه ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة ، وأما المحبة فكان يقول : صلى الله عليه و سلم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك )) [4]، وهذا من تمام عدله وإنصافه صلى الله عليه وسلم ، وحرصه على أداء حقوق العباد كما أمره الله تعالى ، ومنها حقوق أزواجه رضيَ الله عنهن .
حكم القسم بين النساء في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم :
اختلف العلماء في حكم القسم بين النساء في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قولين :
القول الأول : كونه واجبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واستدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة القاضية على وجوب القسم بين النساء ،كقوله تعالى : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [5]، وبقول عائشة رضيَ الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم )) [6]، كما استدلوا باستئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله في أن يمرض في بيت عائشة رضيَ الله عنها ، قالوا : لو كان القسم واجبا عليه لما احتاج إلى استئذانهن في ذلك . [7]
القول الثاني : النبي صلى الله عليه وسلم مخير في القسم بين أزواجه .
إن شاء قسم بين النساء وإن شاء لم يقسم ، واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى : {تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } [8]، قال أبو بكر الجصاص رحمه الله : وهذه الآية تدل على أن القسم بينهن لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان مخيرا في القسم لمن شاء منهن ، وترك من شاء منهن ... )) [9]، وحمل أصحاب هذا القول حديث صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك )) على مكارم الأخلاق وجميل العشرة منه صلى الله عليه وسلم [10].
وعلى كل حال فهدي النبي صلى الله عليه وسلم كان هو القسم ، كما ذكر ابن القيم رحمه الله ، ولم يكن يعمل بخلافه إلا في ثلاث حالات :
الحالة الأولى : إذا تزوج حديثا .
حيث كان صلى الله عليه وسلم يقيم عند البكر سبعا ، وعند الثيب ثلاثا ، ثم يعود إلى التسوية في القسم ، صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم فعن أنس tقال : صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا )) [11].
والحكمة في التسبيع للبكر والتثليث للثيب مراعاة حال الزوج الجديدة وتطييب خاطرها ، قال النووي رحمه الله : فإنه جعل هذه الأيام تأنيسا لها متصلا ، لتستقر عشرتها له ، وتذهب حشمتها ، ويقضي كل واحد منهما لذته من الآخر ، و لا ينقطع بالدوران على غيرها )) [12].
قلت : وفاوت بين البكر والثيب في عدد الأيام ، فجعل الإقامة عند البكر سبعا ، وعند الثيب ثلاثا ، لكون البكر أحوج إلى تلك المعاني من التأنيس وتطييب الخاطر وإذهاب الحشمة عنها ، لحداثة عهدها بالنكاح وبعدها عن أهلها ، عكس الثيب التي لها معرفة سابقة بالرجال وتجربة في العشرة الزوجية ، والله أعلم .
الحالة الثانية : إذا سافر لغزوة ونحوها .
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر لغزوة أو نحوها أقرع بين نسائه ، فمن خرج سهمها سافر بها ، قال ابن القيم رحمه الله : وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، ولم يقض للبواقي شيئا ، وإلى هذا ذهب الجمهور )) [13].
وعن عائشة رضيَ الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه )) [14]، قال النووي رحمه الله : وفيه القرعة بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن ، و يجوز أخذ بعضهن بغير قرعة ، هذا مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة وآخرون ، وهو رواية عن مالك ، وعنه رواية أن له السفر بمن شاء منهن بلا قرعة ، لأنها قد تكون أنفع له في طريقه ، والأخرى أنفع له في بيته وماله )) [15].
وقد طارت القرعة في غزوة المريسيع بعائشة رضيَ الله عنها ، وفي سفر من أسفاره طارت القرعة بعائشة وحفصة رضيَ الله عنهما ، وكانت أم سلمة معها في عمرة الحديبية فنفعته في مشورتها .
الحالة الثالثة : في يوم أم المؤمنين سودة رضيَ الله عنها .
حيث تنازلت سودة عن حقها في القسم لضرتها عائشة رضيَ الله عنهما لما كبرت وشعرت بعدم استكثار النبي صلى الله عليه وسلم منها ، صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم فعن عائشة رضيَ الله عنها قالت : وكان صلى الله عليه وسلم يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها ، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم )) [16].
وقد فعلت سودة ذلك لما تقدم بها العمر وخافت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها كما ذكرت عائشة رضيَ الله عنها صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم كانت سودة قد أسنت ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستكثر منها ، وقد علمت مكان عائشة منه ، فخافت أن يفارقها ، وضنت بمكانها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله يومي الذي يصيبني منك لعائشة ، وأنت منه في حل فقبله النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك نزلت {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } [17])) [1